سوسيولوجيا ماكس فيبر
تعد مساهمة ماكس فيبر السوسيولوجية من بين أهم المساهمات العلمية والنوعية في تاريخ علم االجتماع والتي انتظمت حولها مختلف الدراسات السوسيولوجية، إما استثمارا لمفاهيمها وتصوراتها ومقاربتها المنهجية أو نقدا وتقويما الختياراتها الفلسفية والعلمية. حيث تتمثل إسهامات ماكس فيبر، بالخصوص،فيتقديمه للأساس الفلسفي والنظري للعلوم االجتماعية الناشئة، مثلما نستشفه في دراساته المختلفة حول الاقتصاد والمجتمع والدين والمجتمعات القديمة والسياسة وغيرها.
مفاهيم
9/23/20251 min read


تعد مساهمة ماكس فيبر السوسيولوجية من بين أهم المساهمات العلمية والنوعية في تاريخ علم االجتماع والتي انتظمت حولها مختلف الدراسات السوسيولوجية، إما استثمارا لمفاهيمها وتصوراتها ومقاربتها المنهجية أو نقدا وتقويما الختياراتها الفلسفية والعلمية. حيث تتمثل إسهامات ماكس فيبر، بالخصوص،فيتقديمه للأساس الفلسفي والنظري للعلوم االجتماعية الناشئة، مثلما نستشفه في دراساته المختلفة حول الاقتصاد والمجتمع والدين والمجتمعات القديمة والسياسة وغيرها.
وعلى خالف السعي الحديث للاتجاه الوضعي نحو موضعة الظاهرة الانسانية تبعا لنموذجية المنهج التجريبي، الذي خطا بالعلم الطبيعي خطوات مهمة في سبيل اكتشاف العالم وتملكه اعتمادا على آليات الملاحظة واالستقراء والتكميم والتعميم، فإن اتجاه الفهم بمنظوره الفينومينولوجي ارتكز بالاساس على بيان خصوصية الظاهرة الانسانية و طابعها الذاتي والكلي غير قابل للتجزيء، وإمكانية معرفتها علميا من الداخل، دون اللجوء إلى عملية الاسقاط التعسفي للمنهج التجريبي على موضوع مخالف تماما لاشياء الطبيعة.
على هذا النحو سيتم التمييز بين الظواهر عموما وبين الوعي الذاتي الذي يضطلع بإدراكها، حيث تنكشف الكيفية التي يتم بها إدراك العالم من قبل الذات، وفهم الافعال الاجتماعية في سياقها التاريخي، عوضا عن البحث عن القوانين العامة الناظمة لها سيرا على نهج علوم الطبيعة.
على هذا النحو سيتم النظر لالتجاه الوضعي على أنه مرحلة ما قبل العلم، أو مرحلة وسطى بين الافكار الاجتماعية وعلم الاجتماع. بما يقتضي تخطي عتبة استحداث مسافة معينة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، لما تفضي إليه من إلغاء مقومات الظاهرة الانسانية وخصائها المميزة لها، الاخلاقية منها، أوالعقلية والنفسية لحظة إحالة الموضوع المدروس على عالم الاشياء والجماد. لتخطي ذلك، سعى فيبر إلى إدراك الموضوع المدروس انطالقات من الدالالت والمعاني التي تضفيها الذات المدروسة على أفعالها، والكشف عن شبكة العالقات الناظمة لها، حيث العالقة بين الذات الباحثة وموضوع المعرفة يقوم على الاتصال الا الانفصال. لذلك سيتم النظر لمنهج الفهم الفيبري على أنه تلك " لسيرورة التي نعرف بواسطتها ما هو نفسي باطني اعتمادا على عالمات حسية، تعتبر تجليا أو مظهرا لها" .
وبهذا المعنى، يتصل إدراك الظواهر والافعال والاحداث، بالنسبة لماكس فيبر، بالبداهة والوضوح، ما دام الفهم فعل معرفي مباشر، يتيح لنا إمكانية إدراك دلالة معيشية تعطى لنا كتجربة بديهية، ووضعية وجودية، تبعا لمقاصد الفاعلين االجتماعيين، وتأويالتهم المحددة ملختلفا لاقوال والاشارات والافعال. بما يجعل الفهم بداهة مباشرة أفهم العالقة بين الغضب وتلقي الضربات أو اللكمات، في حين أن "التفسير 2 هو تبرير وتعليل لبروز ظاهرة اجتماعية بافتراض ظاهرة أخرى" . على هذا النحو فنحن نفهم الحياة الانسانية ونفسر الطبيعة.
ترتيبا على ما سبق، ذهب ماكس فيبرإلى أن موضوع سوسيولوجيا الفهم يتمثل في دراسة الافعال الانسانية والاجتماعية التي يتم إدراكها بناء على موقف عقلي محدد، أساسه الفهم والتأويل بغرض الكشف عن المعاني والدلالات التي يضفيها الفاعلون الاجتماعيون على عاتقهم، والاحداث والوقائع الناظمة لحياتهم. ثم العمل على تفسير الكيفية التي يؤثر بها التأويل والدلالة والمعنى على فعلهم.
يقصد بالفعل االجتماعي ذلك السلوك اإلنساني الذي الي يضفي عليه الفاعل معنى، أو الفعل الذي يوجهه اتجاه األشخاص اآلخرين. ومن ثم فهم الدوافع التي دفعت األفراد للتصرف والفعل.
النماذج المثالية للفعل.
في سعيه لتحديد طبيعة الفعل االجتماعي وتنميطه، ارتآى ماكس فيبر استعمال النماذج المثالية، بوصفها أداة عقلية ومنهجية في التفكير السوسيولوجي. وبما أن عالم الاجتماع ملزم بفهم الظواهر الاجتماعية وتفسيرها، وبالنظر إلى تعدد أسبابها واختالفها، يدعو فيبر إلى تشييد نماذج مثالية لضبطها وتبسيط أبعادها االجتماعية. وهي العملية العقلية والمنهجية التي لا تتأتى الا من خلال القيام بضبط المقومات الاساسية في الظاهرة االجتماعية، في مقابل التخلص من المظاهر الزائدة وغير الناظمة لها. مما يتيح للباحث القدرة على الكشف عن منطق الافعال الاجتماعية، أو عن حقيقة تاريخية معينة.
وقد خلص ماكس فيبر، من خلال دراساته السوسيولوجية إلى أربع محددات للفعل االجتماعي، تحوي كلها العوامل الممكنة التي على أساسها يتصرف الفاعلون الاجتماعيون، إثنان منها لا تصدر عن تفكير، وإثنان مفكر فيهما من قبل الفاعلين.
- فعل تقليدي " عرفي ".
- فعل عاطفي " انفعالي ".
- فعل عقلاني بالقيمية الموجهة للفعل.
- فعل عقلاني بالغاية المحددة للفعل.
الحياد الاكسيولوجي.
وهو عبارة عن تصورمنهجي خاص بلوره ماكس فيبرعن العلوم الاجتماعية، بوصفها لتزاما أخالقيا من قبل الباحث، يقتضي منه إقامة تمييز دقيق بين تحليله الامبريفي للظواهر، وبين مقوالته الذاتية وتفضيالته المعيارية المحكومة بالنعرات السياسية والثقافية والدينية.
فالحياد الاكسيولوجي بهذا المعنى، هو موقف أو وضعية منهجية وعقلية تتيح للباحث اكتساب الوعي إزاء قيمه وأحكامه وآرائه لحظة دراسته للظواهر االجتماعية، بهدف التمييز بين الخطاب الاخالقي والخطاب العلمي السوسيولوجي، بسبب انتماء الباحث للمجتمع ولفئات اجتماعية محددة، ولقيم ثقافية وعقدية ناظمة لها مما قد يعرض البحث السوسيولوجي، في إحدى مراحله، لتأثيرات إيديولوجية تحول دون تحقيق شرط الموضوعية، خصوصا عند دراسة بعض المواضيع المحددة كالجنس والدين والسياسة، حيث تتم إثارة الداللة القيمية لها، وما يتصل بها من تحيزوميل مقارنة بالحياد المفترض في الباحث.والذي يقتضي منه التزاما أو حيادا قيميا لحظة صياغة فروض هومفاهيمه.
العقلنة ونزع النظرة السحرية عن العالم: " désenchantement et Rationalisation "
يقصد ماكس فيبر بنزع النظرة السحرية عن العالم قدرة الباحث السوسيولوجي على ضبط كل المظاهر اللاعقلانية المعيقة للتفكير العلمي حول الظواهر الاجتماعية، والناجمة عن شيوع الممارسة السحرية والتقليدية، والقائمة على تنميط ثقافي للحياة الاقتصادية والتقنية للافراد.
تتمثل تلك السيرورة خصوصا في فقدان العالم لجاذبيته وبعده العجائبي ، لما توقف عن أن يكو ملغزا، على خالف ما حاولت مختلف أنماط المعتقدات أن تعززه متوسلة الاساطير والحكايات والاقاويل الخرافية. مما ترتب عنه فقدان الانسان لروحه العقدي، ولثقته في نفسه وفيقدرهوأوهامه،وآماله أيضا.
والتي عوضها بعقلية الحساب والتنظيم المنهجي لمعارفه، والتخطيط والتوقع الاحواله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. حيث لم يعد إنسان العصر الحديث مثل البدائي الذي يكتفي بالتوسل لقواه الروحية والغيبية، وإنما صاريستند لقواه العلمية والتقنية، التي مكنته من تحويل المجتمع وتملك العالم.
لهذا يتصل حديث فيبرعن نزع النظرة السحرية عن العالم بحديثه عن تنامي العقلنة في المجتمع، والتي يميز فيها بين العقلنة الموضوعية والعقلنة الشخصية أو الذاتية؛ تتمثل الاولى في بناء المعارف العلمية الموضوعية عن العالم االجتماعي والطبيعي، وفي قدرة الباحث على تحليل دوافع وانحرافات الفاعل في اختياره لوسائله، ما يجعل من السوسيولوجيا تلك الاداة الاساسية للعقلنة الموضوعية. في حين تتصل الثانية بسيرورة استدخال الذات للمعارف العقلية والعلمية، وبكيفية تعبئة الافراد لافعالهم استجابة مثال لقيم الواجب أوالكرامة، أوإزاء قضية سياسية أودينية لها أهمية بالغة بالنسبة له. وعلى هذا األساس سعى ماكس فيبر إلى التمييز بين النشاط العقلي تبعا لغائيته وبين النشاط العقلي بناء على قيمته.
على هذا النحو يتخذ مفهوم désenchantement حسب جوليان فروند معنى العقلنة بوصفه سيرورة موضوعية للمعرفة والفعل معا، ومعنى التثقيف " intellectualisation " بوصفه امتدادا للعقلنة كتمثل ذاتي، بغرض التخلص من كل التصورات السحرية لحظة السعي لفهم مختلف الوقائع الاجتماعية والمادية، وتخطي كل األنماط الثقافية التقليدية كالتطير والخرافة الناظمة لحياة الناس في المجتمعات التقليدية، والارتكاز عوضا عنها على خطاب عقالني كفيل بتملكها مفهوميا ونظريا.
التفاعل
info@melaidi.com
+212662878411
© 2025. All rights reserved.